رامي ديبو هو مصور فوتوجرافي مقيم في دبي، وتعود أصوله إلى لبنان والتشيلي. اهتم رامي منذ صغره بعالمي الفن والتكنولوجيا. وعلى الرغم من حصوله على شهادة في الهندسة، إلا إن شغفه الحقيقي انصبّ على التصوير الفوتوجرافي، وقد انطلق منذ عام 2015 في رحلات إلى جميع أنحاء العالم لتوثيق جمال الوجهات البعيدة بعدسته الخاصة. يتميز رامي بموهبته في الجمع بين الفن والتكنولوجيا، وقد حظيت أعماله الإبداعية بتقدير واسع من قبل قناة سي إن إن بالعربية، ومكتب دبي الإعلامي، وقناة الجديد، بالإضافة إلى العديد من الحسابات البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشعلت أعماله المميزة شرارة شغفٍ كبيرة بين متابعيه على إنستاجرام عبر حساب PixtaRami@ وفي أوساط فناني الرموز غير القابلة للاستبدال. كما حاز على لقب “رجل القمر” بسبب شغفه بدمج جمال القمر مع أفق مدينة دبي وعناصر أخرى، سعياً للحصول على لحظات فريدة تأسر الجمهور.
أحيا حياتي بأكملها وفقاً لأحلامي، ففيها أرى الأماكن التي أطمح لزيارتها والإنجازات التي أنشد تحقيقها. وقد تبدو هذه الأماكن والإنجازات بعيدةً عن حدود الواقع وأقرب إلى المستحيل، غير أنني أصيّرها حقيقةً بعدستي.
في ربوع لبنان ولدت ونشأت، وفي عام 2008 انتقلت إلى دولة الإمارات، وما زلت أسكن في دبي منذ 16 عاماً. وقد اتبعتُ مسيرةً مهنية في عالم الهندسة، بالرغم من بقاء التصوير ملاذي الأول، الذي يشعل في داخلي الشغف بالترحال واكتشاف آفاق جديدة. ومنذ الصغر، تمتّعتُ بذائقة فنية، فدمجتها بمنتهى السلاسة مع الدقة التقنية للكاميرا، مما أتاح لي صياغة حكايتي وتدوين فصولها.

تتمحور هذه الحكاية حول بقعة آسرة ألهمت خيالي، وهي جزيرة وادعة في أقصى بقاع العالم المأهولة، تقع في الجهة المقابلة تماماً لموطني في الكوكب. وبعد رحلة لمدة يومين ورحلات الطيران على مدار 30 ساعة، وجدت نفسي في قلب المحيط الهادئ، على جزيرة تتربع على بعد 2,000 كيلومتر من أقرب سواحل تشيلي، والفرق الزمني بينها وبين توقيت وطني هو 11 ساعة.




تزهو جزيرة الفصح، التي يعرفها أهلها باسم رابا نوي، بتاريخٍ عريق وثقافةٍ غنية. قبل ألف عامٍ أو يزيد، وطأت شواطئها أقدام سلالةٍ من بولينيزيا، فكرّموا أجدادهم في تماثيل حجرية شامخة تعرف باسم مواي، منحوتةً من المنحدرات البركانية لرانو راراكو في الشمال، ويمثل كل مواي جَداً فريداً، يختلف في ملامحه وحجمه، ويبلغ وزن أكبرها نحو 86 طن، ويرتفع قرابة عشرة أمتارٍ. وقد نُقلت هذه الصروح ونُصبت في مواقع متفرقة في الجزيرة، معظمها تجاور قبور من تمثلهم، وتبقى طريقة نقلها لغزاً غامضاً. وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي طال تاريخ الجزيرة عقب اضطراباتها الأهلية، فما تزال نقوش قليلة وروايات شفهية صامدة تروي حكاياتهم.






هناك فرقٌ شاسع بين أن تحلم بمكان، وبين أن تختبره على أرض الواقع وتلتقط حقيقته أمام عينيك. ويشكل التخطيط الدقيق ضرورةً ملحة قبل الوصول إلى الموقع، فكل لحظة تحمل بين طياتها فرصاً فريدة وذكريات تستحق التوثيق بعدسة التصوير. وقد حرصت على ألا تفوتني شمسٌ تشرق أو تغرب خلال إقامتي التي دامت أربعة أيام، فبقيت منهمكاً بلا كلل في تحويل الجمال الذي أراه إلى صور آسرة تلامس قلوب رفاق الدرب من الحالمين.


ويشكل الجزء الأكبر من الجزيرة حديقة وطنية، تندرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتخضع المواقع الرئيسية لجداول زيارة محددة، وتستلزم مرافقة مرشد مختص، كما تمنع القوانين الصارمة للجزيرة الاقتراب من تماثيل أجداد المواي أو لمسها، وقد حُددت حرمتها بخطوط حجرية واضحة تبين محيطها. ورغم ما فرضته هذه الضوابط من قيودٍ معينة، فإنها لم تثنِ عزيمتي عن اغتنام اللحظة والتقاط جوهرها.




ومع هبوط الليل، واحتضان الجزيرة بظلامٍ مخملي آسر، تلألأت السماء من فوقي ببريقٍ لم تشهده عيناي من قبل. وعزمت على اقتناص ذلك المشهد السماوي المهيب بجوار تماثيل المواي، فواجهت قيوداً منعتني من دخول معظم المواقع بعد الغروب، باستثناء موقع “اهو تونغاريكي” الذي يسُمح بالدخول إليه قبل شروق الشمس بساعة. وقد حالت الغيوم دون التقاط الصورة التي أحلم بها في محاولتي الأولى، لكنني عدت للشروق الأخير قبل المغادرة رغم توقعات الطقس غير المواتية. وقد أثمرت محاولاتي وإصراري عن لقطة ساحرة لسماء مرصعة بالنجوم، أضاءها فجرٌ وردي سماوي.


وستبقى مغامراتي قائمة ما دامت أحلامي منطلقة، فجوهر الحياة الحقيقي يتكشف مع كل خطوة أخطوها سعياً وراء تلك الأحلام.

في هذه الرحلة، استعنت بكاميرا GFX100S بدقة 102 ميجابكسل للحصول على أفضل مدى ديناميكي ووضوح ممكن، واستخدمت عدستين أولاهما GF20-35mm F4 التي منحتني مرونة التقريب المتغير أثناء التنقل، فكانت رفيقتي المثالية في التقاط المناظر الطبيعية الخلابة وتقديم صور فائقة الوضوح. أما عدسة GF45mm f2.8، فقد استخدمتها لتمنحني مدىً أبعد قليلاً، وبشكلٍ أساسي في ظروف الإضاءة المنخفضة ومشاهد الليل الساحرة.